Sunday, May 24, 2015

"الإنسان مسير أم مخير؟" مروان عوض


الجدلية الوجودية الأشهر التي حرقت –بالمعنى العامي- في الكثير من الصحائف و الكتب و المقالات من مفكرين المشرق و المغرب و القدماء و المتأخرين ... قررت أن أكتب ما توصلت إليه بعد تأملات بحثية اطلاعية متواضعه و تفكير عميق فيها و ذلك من أبعاد ثلاثة بعد جدلي و بعد لغوي فلسفي و بعد فلسفي وجودي محض ...
ملاحظة: هذه المقالة ليست للكسلاء أو المشغولين في الترهات اليومية فقط!

- البعد الجدلي:
قبيل الاجابة .. علينا تحليل السؤال ... برغم انه سؤال يبدو سهل و مباشر للوهلة الأولى ... و لكنه سؤال مركب و السؤال المركب هو مغالطة جدلية في المقام الأول.... تعريف السؤال المركب كما ذكر في ويكيبيديا "حينما يشتمل سؤال واحد على عبارتين متصلتين تُعرض كما لو كانتا مرتبطتين معا أو كانت إحداهما تؤدي إلى الأخرى، بحيث يُتوقع من المجيب أن يقبلهما معا أو يرفضهما معا ويقع في فخ ما" و لكن سؤالنا هنا ليس الصورة النمطية من التركيب ...
و كمثال توضيحي: لو سألك أحدهم "هل الجو حار أم غائم؟" ما الإجابات المحتملة ؟ إما أن يكون حار ... أو أن يكون غائم .... و لكن في الحقيقة قد يكون الجو غائم وحار معا ... أو يكون لا حار و لا غائم ! ....
فهو سؤال من مركب من سؤالين .... هما: "هل الجو حار؟" و "هل الجو غائم؟" ... و بهذا الفهم يكون الاحتمالات أربعة و هي: "حار و غائم" ... "حار و غير غائم" ... "غير حار و لكن غائم" ... "غير حار و غير غائم" .... انتهى!

البعد اللغوي الفلسفي:
للوهلة الأولى قد يظن المستمع أن المخير ضدها (عكسها) كلمة مسير ... خاصة لما ضمه التراث من تلازم للمصطلحين .... ولكن هل مسير ضدها مخير فعلا ؟ ..... حتى نتفق أن الكلمتين متضادتين يجب "استحالة الجمع بينهما في شيء" ... و لكن في حالة قبول الجمع بينهمافي شيء فإن اللفظين لا يرتقيان للتضاد ...و مثال لمتضادات: "الموت و الحياة" ... و "الوجود و العدم" فإما موجود أو معدوم .... أو "الأبيض و الاسود"  أما خلط البياض بالسواد يخرج "الرمادي" (ليس أبيض و ليس أسود) فلا يضر تضاد السواد و البياض و لا يسمى هذا جمع بينهما!  ...
فما هو ضد المخير ؟ ... أرى أن ضده كل ما يعني (ليس مخير) مثل: آلي (مبرمج يخضع لآلية سببية محددة في الاختيار) – شهواني (يلبي شهوته و لا يدرك ما يفعل ولا يسطر عليها بالصوم أو التجنب) مكبل (منزوع الحرية الفعلية) – مجبر (يفعل و ليس لديه خيارات أخرى) .....
و لكن ما ضد المسير؟ .... مسير يقصد به في المسائل الفلسفية أنه: المعلوم الوجهة و المصير ... و لذلك يصعب على عقول الكثيرين أن يجمعوا بين أن يكون المرء معلوم المصير عند خالق الأقدار و أن يكون صاحب اختيار للافعال التي تؤدي لذلك المصير! ... و بعد التفكير في ضد المسير لم أجد لها ضد ... فهي لفظة كلفظة "كائن" ... ما "كائن"؟ كل الأشياء حولنا كائنات فلم نضع لفظة تعني "ليس كائن".. ولا اعني هنا العدمية كمضاد لها ولكن أن يكون هناك "شيء" و لكن "ليس كائن" فإن كان القارئ مؤله (يؤمن بوجود إله) سيكون ضد كلمة "الكائن" هي "الله" لأنه الوحيد "الشيء" و "ليس كائن" (ملاحظة يجوز قول شيء على لفظ الله كما قال تعالى "قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني و بينكم ... ") و بنفس القياس فكلمة المسير ليس لها في اللغة الفلسفية مضاد و هي لا تنظبق إلا على "الله" فهو الوحيد الذي لا ينطبق عليه مفهوم معلومية مصيره! بعكس الكائنات.
و بما أن المسير ليس ضدها المخير فمقبول الجمع بينهما و العكس صحيح! ..... انتهى ...

البعد الفلسفي:
الانسان مخير في آنيته ... في كل لحظة يتعرض للاختيارات و التي يختار أفضلها أنسبها أقربها أجملها أذكاها أنفعها أو حتى يختار أي اختار عشوائيا ! ... و لكنه يختار .... و نقول أنه هناك اختيار عندما و فقط عندما يكون هناك خيارات! وإلا كان مجبرا .... فلنقل أني خيرتك الآن بين أن تحتسي معي فنجال قهوة أو كوب شاي .... فاخترت القهوة ... باللبن ... مضبوطة السكر (معلقة صغيرة مليئة) .... هل كنت حر في اختياراتك ؟ بالتأكيد نعم ... و لن يختلف عاقلان على ذلك .... و لكن بعدما احتسيتها وجدتها مرة .. و انتهينا من فناجيلنا و جلستنا و غيبتنا الخلق .... وقمنا من مجلسنا و انصرف كل إلى حاله ... و هاتفتك ... هل تشرب فنجال قهوة أم كوب من الشاي معي منذ ساعة ؟ .... حاول أن تمسك لسانك عن مسبتي ! ........ كيف أتحكم فيما حدث بالفعل! ..... لقد كانت القهوة مرة و حدث ما حدث لا يمكن أن أرجع بالزمن للوراء لأطلب الشاي لأن قهوتهم ليست بهذه الجودة!  ....
و هنا مربط الفرس ..... لفهم الفكرة الفلسفية أن يكون الإنسان مخير آنيا (من وجهة نظره) و مسير (بالنسبة لله) ... هل تظن في الله أنه ينظر إليك بآنية؟ ينتظر ما ستختاره ليتفاجأ معك بالقدر! انتهي ...



الخلاصة للكسلاء:


الإنسان مسير و مخير معا ...

مروان عوض May 2015

No comments:

Post a Comment